من معالجة الأخطاء مقا لي نشر 12/11/1425 هـ


0



من معالجة الأخطاء






كثير من الأخطاء تتمكن من نفس المخطئ بسبب سوء معالجتها، حيث يتشبث بها ربما معاندة لمن نصحه نظراً لأسلوبه الخاطئ أو لعدم وضوح سبب مقنع له لمنطلق هذه المعالجة، وأذكر لكم قصة شاب مراهق دخل عليه أخوه الأكبر في أحد المجالس فرأى علبة سجائر قريبة منه فما كان منه إلا أن صفعه أمام الجالسين صفعة أهدرت كرامته وحطمت كبرياءه وقال له (ويلك يا...) أتشرب الدخان؟؟!)، فما كان من الجالسين إلا أن صاحوا به (هذه العلبة لا تخصه فهو لا يدخن كما تعرف)، لكن هذا الأخ الأكبر أبى واستكبر وأصر وواصل صلفه وتعنته بأن أخاه لا شك مدخن ولا مجال في التغطية عليه، فما كان من هذا الشاب إلا أن خرج من المجلس متحطماً وأقسم - مع الأسف - ليشربن الدخان إلى أن يموت، وبالفعل الآن يذكر لي راوي هذه القصة أن عمره قد تجاوز الخمسين عاماً وهو يدخن رغم محاولته الجادة لتركه!!
من هذه القصة سيخرج كل واحد منا بعدة فوائد لكنني سأركز على ما بدأت به حديثي وهو سوء معالجة الخطأ، فهذا الأخ الأكبر لو أنه بعد أن انفض المجلس أخذ أخاه جانباً وتبين منه وتثبت، فإن ثبت له أنه مدخن لم يعنفه ولم يحقره ولم يغلظ عليه بل حاوره حواراً أبوياً كله دعاء وشفقة ورحمة وحرص على نصحه لا على فضحه والتشفي منه والشماتة به، وهذا هو الأسلوب الصحيح، ولو أنه قد لا يرضي البعض لكنه هو الأسلوب الذي سلكه قدوتنا صلى الله عليه وسلم حيث جاءه شاب يطلب أن يأذن عليه الصلاة والسلام له بالزنا!!، فكان موقفه ما رواه أبو أمامة رضي الله عنه أنه قال: إن فتى شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إئذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه! فقال أدنه، فدنا منه قريباً، قال: فجلس، قال: (أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال : أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء).
الحوار هو أساس النجاح في علاج أي خطأ يقع وبالذات من الشباب فهذا الشاب لا يجهل أن الله حرم الزنا ولو كان يجهل لما جاء يستأذن، فلا ريب أنه يعلم حكمه، لذا جاء معلمنا وقدوتنا وهو المربي الأول صلى الله عليه وسلم بهذا الأسلوب الراقي، وهذا الأسلوب الشافي الكافي، وهذا الأدب الجم وهذا الحنان المتدفق المشفق بكل معاني الشفقة حيث أدنى الشاب منه ولم يخاطبه من بعده فحاوره ملامساً لمشاعره وشعوره مخاطباً عقليته ونفسيته ومستثيراً لغيرته على محارمه مقارعة الحجج الشيطانية والدوافع الشهوانية التي دعت ذلك الشاب إلى الزنا بحجج لا غبار عليها ولا غبش واضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار (أتحبه لأمك، أتحبه لابنتك، أتحبه لأختك، أتحبه لعمتك، أتحبه لخالتك) وختم حواره عليه الصلاة والسلام بأن وضع يده الشريفة على ذلك الشاب داعياً الله له بما يقتضيه الموقف (اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه).

أحمد بن محمد الجردان
12/11/1425 هـ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى ـ رحم الله ـ العم الأمير سعد بن فهد بن سعد بن عبدالمحسن السديري ( امير الغاط سابقا )

قصيدة وصورة

قصيدة ورد