حرصاً مني على استفادة زوار مدونتي أنقل اليكم الآتي :ـ

الشكوى بين الجواز والمنع
اعداد/ جمال عبد الرحمن  
المصدر موقع الفقه الإسلامي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعدُ:
فأكثر الناس يشتكي، الزوج يشتكي والزوجة تشتكي، الوالد يشتكي والوالدة تشتكي، رب العمل يشتكي، والعامل يشتكي، الغني يشتكي، والفقير يشتكي، لا بل ذو الأرحام، حتى الجيران يشتكي بعضهم البعض!! وهذه الشكاوى منها ما يكون بحق، ومنها غير ذلك.
ويطرح السؤال نفسه هنا وبقوة: وهل يملك بعضنا لبعض ضرًّا أو نفعًا، عطاء أو منعًا؟ والله عز وجل يقول: « أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا » [الزخرف:32]، فلماذا الشكوى؟
لكننا نرى أن الله سبحانه وتعالى سمع قول المجادلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تشتكي إلى الله، قال الله تعالى: « قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ ٌ» [المجادلة:1].

قالت عائشة رضي الله عنها: تبارك الذي وسع سمعه الأصوات!! لقد جاءت المجادلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا في ناحية البيت تشكو زوجها، ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل: « قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ » [المجادلة:1] إلى آخر الآية. [تفسير الطبري 22/454].

فالآية تثبت جواز الشكوى، ولزوم النظر في شكواها، وإنصافها، وإفتائها ونصرتها، وفي الوقت نفسه نرى الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس، كان قمنًا من ألا تسد حاجته، ومن أنزلها بالله عز وجل أتاه الله برزق عاجل». [مسند أحمد 6/117 وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح].
والحديث يرشد إلى أن يشكو الإنسان حاجته وفاقته إلى الله تعالى لا إلى الناس، فأمور الرزق غائبة عنا، فلا ندري متى يأتي الفرج والرزق، فما علينا إلا التضرع إلى الله والانتظار لنزول الرحمة وبلوغ الكتاب أجله، فكيف الجمع بين الأمرين؟

معنى الشكوى:
يقال: شكى من فلان، وشكوت فلانًا أشكوه شكوًا وشكاية وشكاة إذا أخبرت عنه بسوء فعله، فهو مشكو، والاسم الشكوى. [عمدة القاري شرح صحيح البخاري: 2/251].
ويطلق البثّ أيضًا على الشكوى، وعلى المرض، وعلى الأمر الذي لا يُصبَر عليه، ويراد بالبث الحزن، ويقال شدة الحزن. [فتح الباري لابن حجر 9/263].

فللشكوى إذن معان متعددة، منها ما جاء عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، بلا أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئًا على بلال، فأمر بتقوى الله تعالى، وحث على طاعته، ووعظ الناس وذكّرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن، وقال: يا معشر النساء، تصدقن. فإنكن أكثر حطب جهنم، فقامت امرأة من سطة النساء، سفعاء الخدين فقالت: لِمَ يا رسول الله؟ فقال: «لأنكنَّ تكثرن الشكاة، وتكفرن العشير». قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتيمهن». [متفق عليه].

و«الشكاة» أي: الشكوى. ومعنى الحديث أنهن يجحدن الإحسان؛ لضعف عقولهن، وقلة معرفتهن. [شرح النووي على صحيح مسلم: 3/603].
وتعليله صلى الله عليه وسلم بالشكاة وكفران العشير: دليل على تحريم كفران النعمة؛ لأنه جعله سببًا لدخول النار. وهذا السبب في الشكاية يجوز أن يكون راجعًا إلى ما يتعلق بالزوج، وجحد حقه، ويجوز أن يكون راجعًا إلى ما يتعلق بحق الله من عدم شكره، والاستكانة لقضائه. [إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام: 1/346].


الشكوى والصبر

والسؤال هنا: هل إذا اشتكى الصابر على البلاء حاله لغيره من الناس، فهل هذا ينافي صبره؟ وما حكم الشرع فيمن يشكو بعضًا من همومه لصديقه، هل يعتبر ذلك من الاعتراض على قضاء الله وقدره؟
والجواب: إذا كانت الشكوى من الهموم لأجل التعاون، كأن يُظهر ما لديه لعل الله ينفعه برأيه واجتهاده من باب المشورة، من باب الاستعانة بالرأي، فلا بأس بذلك؛ يشكو همومه وحاجاته ليستعين برأيه، وإذا كان مضطرًا وسأل المساعدة، فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة – مسألة المال يعني – لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة، اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش – أو قال: سدادًا من عيش – ورجل أصابته فاقة يعني كان غنيًّا، وكان بخير ثم أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجي من قومه: لقد أصابت فلانًا فاقة، يعني حتى يشهدوا له، قال: وما سواهن يا قبيصة سحتٌ يأكله. [أخرجه مسلم 1044]. [انتهى من فتاوى نور على الدرب لابن باز 4/192].

وقد وردت بعض الأحاديث يُفهم منها تعارض الشكوى مع الصبر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: إذا ابتليت عبدي المؤمن، فلم يشكني إلى عُوّاده، أطلقته من أساري، ثم أبدلته لحمًا خيرًا من لحمه، ودمًا غير دمه، ثم يستأنف العمل. [الحاكم وصححه وقال: على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي].

ووردت أحاديث أخرى يُفهم منها جواز الشكوى، وأنها لا تنافي الصبر، فقد اشتكت السيدة عائشة، وقالت: وارأساه. وقالها الرسول صلى الله عليه وسلم عندما اشتد به الوجع، وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مريض يسأله عن حاله، ويقول: كيف تجدك؟ وعندما زار الرسول صلى الله عليه وسلم سعدًا قال سعد: يا رسول الله، قد اشتد بي الوجع، وأنا ذو مال. إلخ. ولا تعارض بين هذه النصوص؛ لأن الشكوى إذا كانت إخبارًا عن الحال والواقع بلا تبرّم ولا تسخّط ولا ضجر، جازت عندئذ، أما إذا كان فيها شيء من هذا فإنها تعارض الصبر حينئذٍ، وفرق بين من يشكو الله إلى عواده، ومن يشكو إلى الله عز وجل في علاه، قال يعقوب عليه السلام: « إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ » [يوسف:86]، وقال تعالى: « وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ » [الأنبياء:83].

يقول ابن القيم رحمه الله: لما كان الصبر حبس اللسان عن الشكوى إلى غير الله، والقلب عن التسخط، والجوارح عن اللطم وشق الثياب ونحوها، كان ما يضاده واقعًا على هذه الجملة، فمنه الشكوى إلى المخلوق، فإذا شكا العبد ربه إلى مخلوق مثله، فقد شكا من يرحمه إلى من لا يرحمه، ولا تضاده الشكوى إلى الله، وأما إخبار المخلوق بالحال، فإن كان للاستعانة بإرشاده أو معاونته، والتوصل إلى زوال ضرره، لم يقدح ذلك في الصبر، كإخبار المريض للطبيب بشكايته، وإخبار المظلوم لمن ينتصر به بحاله، وإخبار المبتلى ببلائه، لمن كان يرجو أن يكون فرجه على يديه، نتبين من ذلك أن الشكوى تجوز في بعض الأحوال، وتعارض الصبر في أحوال أخرى. والله أعلم.

وحينئذ يُفهم قول رويم: «الصبر ترك الشكوى». [شعب الإيمان: 12/389].
فحقيقة الصبر ألا يعترض على المقدور، فأما إظهار البلاء لا على وجه الشكوى فلا ينافي الصبر، قال الله تعالى في أيوب عليه السلام: « إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ » [ص:44]، مع أنه قال: « أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ » [الأنبياء:83]، والله أعلم. [شرح النووي على مسلم: 3/102].
ومما يجوز من الشكوى ما جاء:
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: «جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي، فقلت: يا رسول الله، قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. [إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام 2/161].
ومما يجوز من الشكوى أيضًا ما:
أخرج الطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: شكا رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العزبة فقال: ألا أختصي؟ قال: «ليس منا من خصى أو اختصى».
وفي الحديث ذم الاختصاء.. وفيه مشروعية شكوى الشخص ما يقع له للكبير، ولو كان مما يُستهجن ويُستقبح... وفيه جواز تكرار الشكوى إلى ثلاث. [فتح الباري لابن حجر: 9/120].


مراتب عليا من الصبر، كمن لم يظهر حزنه عند المصيبة

عن أنس رضي الله عنه اشتكى ابن لأبي طلحة رضي الله عنه، فمات، وأبو طلحة خارج، فلما رأت امرأته أنه قد مات هيأت شيئًا، ونحته في جانب البيت، فلما جاء أبو طلحة، قال: كيف الغلام؟ قالت: هدأت نفسه، وأرجو أن يكون قد استراح، فظن أبو طلحة أنها صادقة، قال: فبات، فلما أصبح اغتسل، فلما أراد أن يخرج أعلمته أنه قد مات، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، بما كان منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما». قال سفيان: فقال رجل من الأنصار: فرأيت لهما تسعة أولاد كلهم قد قرأ القرآن. [البخاري 1301].
قال الشارح: أما من لم يظهر حزنه عند المصيبة، وترك ما أبيح له من إظهار الحزن الذي لا إسخاط فيه لله تعالى، واختار الصبر كفعل أم سليم، ومن قهر نفسه وغلبها على الصبر، فهو آخذ بأدب الرب في قوله: « وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ » [النحل:126]. [شرح صحيح البخاري لابن بطال 3/284].


لا جناح على من جلس عند المصيبة يُعرَف فيه الحزن

عن عائشة رضي الله عنها لما قتل ابن حارثة وجعفر وابن رواحة، جلس النبي صلى الله عليه وسلم، يُعرف فيه الحزن، وأنا أنظر من صائر الباب – شق الباب – فأتاه رجل فقال: إن نساء جعفر، وذكر بكاءهن، فأمره أن ينهاهن، فذهب، ثم أتاه الثانية، لم يُطِعْنَهُ، فقال: (انههن)، فأتاه الثالثة، قال: والله لقد غلبنا يا رسول الله، فزعمت أنه قال: «فاحثُ في أفواههن التراب». فقلت: أرغم الله أنفك، لم تفعل ما أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من العناء.[البخاري 1299].
وعن أنس رضي الله عنه قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا حين قُتل القراء، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حزن حزنًا قط أشد منه. [البخاري 1300].
وقد توجع الصحابة على فقد الرسول صلى الله عليه وسلم، وحزنوا له أشد الحزن، قال طاووس: ما رأيت خلقًا من خلق الله أشد تعظيمًا لمحارم الله من ابن عباس، وما ذكرته قط فشئت أن أبكي إلا بكيت، ورأيت على خديه مثل الشراكين من بكائه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو عثمان: ورأيت عمر بن الخطاب لما جاءه نعي النعمان بن مقرن وضع يده على رأسه وجعل يبكي. ولما مات سعيد بن أبي الحسن بكى عليه الحسن حولاً، فقيل له: يا أبا سعيد، تأمر بالصبر وتبكي؟ قال: الحمد لله الذي جعل هذه الرحمة في قلوب المؤمنين يرحم بها بعضهم بعضًا، تدمع العين، ويحزن القلب، وليس ذلك من الجزع، إنما الجزع ما كان من اللسان واليد. وقال يحيى بن سعيد: قلت لعروة: إن ابن عمر يشدد في البكاء على الميت، فقال: قد بكى على أبيه. وبكى أبو وائل في جنازة خيثمة.
فهؤلاء معالم الدين لم يروا إظهار الوجد على المصيبة بجوارح الجسم إذا لم يجاوزوا فيه المحذور خروجًا من معنى الصبر، ولا دخولاً في معنى الجزع. وقد بكى صلى الله عليه وسلم على ابنته زينب، وعلى ابنه إبراهيم، وفاضت عيناه، وقال: «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده»، وبكى صلى الله عليه وسلم لقتل جلة الإسلام وفضلاء الصحابة، وتوجع لفقدهم. [شرح صحيح البخاري لابن بطال 3/280- 284].


البكاء عند المريض

قد يزور الإنسان أخاه المريض، فيجده يتقلب ويتألم من شدة المرض والمعاناة، أو يجده في نزعه الأخير فيُبكيه ذلك، فهل في ذلك حرج، أو فيه ما ينافي الصبر؟
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: اشتكى سعد بن عبادة، فأتاه الرسول صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، فوجده في غاشية أهله، فقال: «قد قضى؟» قالوا: لا، يا رسول الله، فبكى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأى القوم بكاء النبي صلى الله عليه وسلم بكوا، فقال: «ألا تسمعون؟ إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا – وأشار إلى لسانه – أو يرحم، وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه». أي: يعذب الميت ببكاء أهله إذا كان النوح من سُنّته؛ لقول الله تعالى: « قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا » [التحريم:6]، وقال صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع ومسئول عن رعيته». فإذا لم يكن من سنته، فهو كما قالت عائشة: « وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى » [الأنعام:164]، قاله ابن بطال. انتهى.
وقد بيّن هذا الحديث أنه لا يُعذب بدمع العين، وحزن القلب، وإنما يعذب بالقول السيئ ودعوى الجاهلية، وقوله: «أو يرحم» يحتمل معنيين: أحدهما: أو يرحم إن لم ينفذ الوعيد في ذلك، والثاني: يريد أو يرحمه إذا قال خيرًا، واستسلم لقضاء الله تعالى. [شرح صحيح البخاري لابن بطال: 3/289].


البكاء على الميت بعد موته

النَّوْح سُنة الجاهلية حرام قد نسخه الإسلام، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يشترط على النساء في بيعة الإسلام ألا ينحن؛ تأكيدًا للنهي عنه، وتحذيرًا منه.
دخل الرسول صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن الربيع يعوده، فصاح به فلم يجبه، فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: «غلبنا عليك يا أبا الربيع»، فصاح النسوة وبكين، فجعل جابر يسكتهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعهن، فإذا وجبت فلا تبكين باكية».
والوجوب: الموت، فدل أن هذا الحديث على الندب لا على الإيجاب؛ لأنه لو كان ترك البكاء عليه فرضًا بعد موته لما جاز لنساء جعفر أن يبكين بعد موته، ولوجب أن يقتصرن على السكوت، فلما اعترضت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قالت له: والله ما أنت بفاعل. ومثله قوله: «لكن حمزة لا بواكي له». فدل على جواز البكاء على الميت بعد موته. [صحيح البخاري لابن بطال 3/290].
قال ابن عطاء: الصبر الوقوف مع البلاء بحسن الأدب، وقال الأستاذ أبو علي الدقاق رحمه الله تعالى: حقيقة الصبر ألا يعترض على المقدور، فأما إظهار البلاء لا على وجه الشكوى فلا ينافي الصبر، قال الله تعالى في أيوب عليه السلام: « إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ » [ص:44]، مع أنه قال: « أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ » [الأنبياء:83]. والله أعلم [شرح النووي على مسلم: 3/102].


شكوى المرأة زوجها

لو أن امرأة وصفت زوجها بما يكرهه، لكان غيبة محرمة على من يقوله ويسمعه، إلا إن كانت في مقام الشكوى منه عند الحاكم، وهذا في حق المعين، فأما المجهول الذي لا يُعرف فلا حرج في سماع الكلام فيه؛ لأنه لا يتأذى إلا إذا عرف أن من ذكر عنده يعرفه. [فتح الباري لابن حجر 9/277].


الشكوى المقبولة والممنوعة

ولقد كان بشر الحافي يقول لمن سأله عن مرضه: أحمد الله إليكم، بي كذا وكذا، فقيل للإمام أحمد: وقالوا: هو يبدأ بالحمد قبل أن يصف مرضه، فقال أحمد: سلوه عمن أخذ هذا؟ يعني إن كان هذا لم ينقل عن السلف فلا يقبل منه – فقال بشر: عندي فيه أثر، ثم روى بإسناده عن بعض السلف قال: «من بدأ بالحمد قبل الشكوى لم تُكتب عليه شكوى». فبلغ الإمام أحمد فقبل قوله. [الحكم الجديرة بالإذاعة لابن رجب الحنبلي: ص38].
والشكوى الممنوعة هي ما كانت على سبيل الضجر والجزع، وعدم الرضا بالمقدور، وشكوى الله إلى خلقه، فبعض الناس يقول للناس: أنا ماذا صنعت حتى يحدث لي ما حدث؟ فهذا من الاعتراض، وعدم الرضا معاذ الله، كما جاء في حديث ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على رجل يعوده، فقال: «لا بأس طهور، إن شاء الله». فقال: كلا، بل هي حمى تفور على شيخ كبير كيما تزيره القبور، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فنعم إذن». [صحيح البخاري].
قال الحافظ: «روى الطبراني أن الأعرابي أصبح ميتًا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أما إذ أبيت فهي كما تقول قضاء الله كائن». فما أمسى من الغد إلا ميتًا. [شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري 2/271].
والحمد لله رب العالمين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى ـ رحم الله ـ العم الأمير سعد بن فهد بن سعد بن عبدالمحسن السديري ( امير الغاط سابقا )

قصيدة وصورة

قصيدة ورد